![]() |
مشروع خيالي اسمه "اقليم آشور"
سعد عليبك |
يبدو
بأن المشروع الآشوري الذي يحضى بتأييد و مباركة
أكثرية المؤسسات الآشورية ان لم يكن كلها، السياسية و المدنية و الدينية ،
و الذي
اصبحت أهدافه واستراتيجيته واضحة المعالم من خلال العمل
الحثيث و المكثف لتلك المؤسسات خلال العقدين
الأخيرين من الزمن سواء بشكل سري او علني ، يلاحظ بوضوح اصابته بالشلل و الوهن لعدم واقعيته و لكونه مبني على تصورات خيالية و عنصرية . و يمكن تلخيص مفهوم المشروع الآشوري هذا بإعتباره مشروعاً قومياً استراتيجياً للآشوريين يدعون من خلاله الى إقامة كيان سياسي للآشوريين حصراً يطلقون عليه اسم (اقليم آشور) ، والذي حددوا ابعاده الجغرافية بالمنطقة الواقعة بين الزاب الكبير و نهر دجلة ، وهذه المنطقة تشمل حوالي نصف كردستان العراق الحالية بالإضافة الى المناطف الواقعة شرق نهر دجلة في محافظة نينوى. و إذا درسنا الواقع الديموغرافي للمنطقة المحددة بإقامة المشروع المزعوم ، لوجدنا ان الآشوريين فيه يشكلون أقل المكونات في زخمها العددي وهذه المكونات هي ، الكورد ، الكلدان ، السريان ، الأيزيديين ، العرب ، الشبك والآشوريين. و لكون الكلدان يشكلون نسبة عددية عالية من السكان و لهم قرى و بلدات و اقضية ضمن هذه المنطقة ، فإن المرحلة الاولى لتنفيذ المخطط الخاص بالمشروع الآشوري تتطلب العمل على الغاء الوجود القومي الكلداني من التاريخ و الجغرافيا، وذلك بالترويج على ان الكلدان آشوريين و ان لم ينتموا(حسب النظرية البعثية) و إعتبار قوميتهم الكلدانية في احسن الأحوال طائفة دينية، وبذلك فإن القرى و البلدات و الاقضية الكلدانية ضمن هذه المنطقة ستتحول ملكيتها اوتوماتيكياً الى ملكية آشورية صرفة و تختم بختم الطابو الآشوري . ولو قمنا بإجراء عملية حسابية تقديرية لتكاليف المرحلة الاولى للمشروع القومي الآشوري السيء الصيت (المتمثلة كما ذكرنا بالغاء الوجود القومي الكلداني من التاريخ و الجغرافيا) خلال العقدين الأخيرين، والتي اتفقت عليها و باركتها كل الاطراف و المؤسسات الآشورية دون استثناء ، لخرجنا بنتيجة مذهلة لما ابتلعته هذه المرحلة من وقت و اموال وجهود متنوعة نستطيع ان نحصر قسماً منها من خلال الاسئلة المطروحة ادناه: كم من الأموال صرفت على المطبوعات المحرفة التي تتنكر لوجود القومية الكلدانية او اعتبارها طائفة دينية تحت أمرة القومية الآشورية؟ كم من الأموال صرفت لشراء بعض الكلدان السذج لكي ينسلخوا عن كلدانيتهم و يصبحوا اداةً طيعة لخططهم؟ كم من المواقع الألكترونية انشأت؟ وكم غرفة الدردشة الصوتية فتحت لدعم هذا الهدف ؟ كم من الجهد و الوقت ضاع في سبيل الغاء الكلدان عند لقائهم بالاحزاب العراقية و المؤسسات الدولية؟ كم كلفت انشاء القنوات الفضائية الآشورية ( عشتار و آشور و آسريا سات )؟ وكم هي مصاريفها اليومية ؟ كم من الوقت ضاع وكم من الجهد قد بذل في كتابة و نشر المقالات في المواقع الالكترونية و المجلات و المنشورات و الكتيبات التي تلغي القومية الكلدانية ؟ كم هي تكلفة اللقاءات و الندوات التي عقدت من اجل هذا الهدف؟ كم هي مصاريف المهرجانات و الحفلات التي اقيمت؟ كم من المبالغ دفعت لشراء بعض الأقلام و أصحابها في الداخل و الخارج ؟ كم تصل كلفة الاتصالات و المواصلات التي استخدمت من اجل هذا الغرض؟ وكم... وكم ... و لو استمرينا بتعداد هذه الأسئلة لما تمكنا من انهاء هذا المقال ، لكن بالتأكيد سيوافقني الجميع بأن المبلغ الكلي و التكلفة النهائية ستكون كبيرة جداً، و ربما سيصدم بها اصحابها . اما النتيجة النهائية لمحاولات الغاء القومية الكلدانية لحد اليوم ، فهي الفشل الذريع لها و لما رافقتها من مخططات و تكتيكات سياسية داعمة ، لأن منظري هذا المخططات لم و لن يستطيعوا تغيير الحقيقة ، كما وان تصدي الوعي القومي الكلداني المتنامي لها قد أدى الى شلها و تجميدها ، و النتيجة النهائية اليوم هي واضحة وضوح الشمس ، اي ان القومية الكلدانية ثابتة و راسخة و ابنائها ازدادوا لها حباً و فخرا و اعتزازاً ،ً وهم مستعدين للدفاع عنها بكل غال و نفيس، لأنها جزء من كيانهم و شخصيتهم و وجودهم. ها هم الكلدان و مؤسساتهم يعلنونها كل يوم ليسمع القاصي و الداني بأنهم لن يساوموا على قوميتهم و لن يسمحوا لأي كان بتحويرها و تشويهها، وفي طليعتها حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني و المجلس القومي الكلداني و المنبر الديمقراطي الكلداني و المؤسسات المدنية و الدينية و الكتاب و المثقفين الكلدان ، كلها تعلن في كل مناسبة عن فخرها و اعتزازها بقوميتها وعن كونها خطاً أحمراً لا يسمح تجاوزه ، كل هذا لكي يعوا هؤلاء بعدم الجدوى من السراب الذي يركضون نحوه . فلا نعرف ما الذي يدعو الاخوة الآشوريين الى الاستمرار في هذه السياسة الفاشية و المشروع الفاشل الذي سيؤدي بالتأكيد الى المزيد من النتائج الغير مرجوة ، وفي مقدمتها زرع المزيد من الحقد و الكراهية بينهم و بين الكلدان ، و آخرتها ستكون فقدان التوازن السياسي عندهم وعطب بوصلتهم في تحديد وجهتهم و مستقبلهم . بالرغم من مرور اكثر من عقدين من الزمن ، و كل هذه التكاليف الباهضة الثمن لم توقف هؤلاء القوم عن هذا الفعل الغادر ليعودوا الى رشدهم في التعامل مع الآخرين بإسلوب حضاري و انساني و وفق مبدأ الإحترام المتبادل و في عدم التدخل في شؤون الآخرين ، و التخلي عن الركض وراء افكار شوفينية و الحلم بعودة ايام الامبراطوريات و المستعمرات البائدة . إن مثل هذه المحاولات و الأفعال التي كانت ولا تزال تهدف الى الغاء القومية الكلدانية لم تؤثر على الآشوريين فقط من حيث التكلفة المادية و المعنوية و الزمن الضائع ، بل ادت الى تشويه صورتهم امام الشعوب الاخرى من خلال ما يقومون به علناً و بكل الطرق في الغاء اعرق قومية تعيش في بلاد النهرين . كما أثرت سلباً ايضاً على الكلدان من خلال حشد الطاقات وبذل جهود كبيرة كافراد و كمؤسسات في الدفاع عن قوميتهم العريقة و من اجل كشف زيف تلك الادعائات الباطلة وما يكمن ورائها من اهداف سياسية تضر بالكلدان و مستقبلهم، و من ثم التصدي لها بالطرق و الاساليب المناسبة وفق الامكانيات المتوفرة . و لو كانت كل تلك الاموال و الجهود قد صرفت في الترويج لثقافة المحبة و الثقة المتبادلة و مد جسور التعاون مع الكلدان لكنا جميعاً قد اقتربنا من نيل حقوقنا ربما بخطوات اكثر من طموحنا . و لحد اليوم لا يظهر في الافق ما يوحي بتخلي المؤسسات الآشورية عن مشروعها العنصري الهادف في مرحلته الأولى لإلغاء القومية الكلدانية ، بالرغم من الفشل الذريع الذي لحق بالمشروع . كما و لم تظهرأية مبادرة ولو فردية من قبل اية مؤسسة آشورية تعلن فيها عن تخليها عن هذا المشروع الداعي للكراهية ، وتتحلى بالشجاعة الكافية كي تقوم بتقديم اعتذارها للكلدان عن ما بدر منها من اساءات بهذا الخصوص ، لكي تكتسب ولو الحد الأدنى من المصداقية في المستقبل اثناء تعاملها مع المؤسسات و الكيانات الكلدانية من اجل المصالح المشتركة للطرفين . . فمتى سيعلم الذين يريدون الغاء القومية الكلدانية بأنهم واهمون ، وانهم على الحقيقة جانون ، و في آخر المطاف لا احد يعلم في اي منزلق سينزلقون للحديث بقية سعد عليبك saad_touma@gotmail.com |